فى كل بلاد الدنيا، يحتاج تكوين الثروات الطائلة إلى عقود عديدة من الابتكار والعمل الشاق والإدارة الناجحة، ولكنك فى مصر تحديداً، لا تحتاج إلى كل هذا لتكوين ثروة طائلة فى سنوات معدودة، ليس فقط عن طريق الرشوة والاختلاس والتجارة غير المشروعة، ولكن عن طريق العمل «وسيطاً» بين المنتج والمستهلك. الفقر مصير الفلاح والصياد ومربى الدواجن والماشية المنتجون فى مصر، خصوصاً فى كل السلع الغذائية، يعانون أشد المعاناة من وطأة ارتفاع أسعار كل مدخلات الإنتاج، من البذور والتقاوى والمبيدات والمخصبات ومروراً بارتفاع أسعار الكهرباء والسولار والنقل، وعندما تحين لحظة حصاد المحصول، يأتى «سمسار» أو «وسيط» أو «تاجر كلالة» ليخسف به الأرض ويحصل على المنتج بأقل من سعر تكلفته، ثم تظهر السلعة ذاتها فى أسواق التجزئة وقد تضاعف سعرها عدة مرات. ومع تطبيق سياسة «السوق الحر» تحولت هذه الحرية إلى حالة من الجشع غير المسبوق، ووقفت كل الحكومات المتعاقبة عاجزة عن التدخل لضبط الأسواق، وإنصاف المنتجين والمستهلكين من هذه الفئة المتوحشة التى تعمل فى مجال السمسرة والوساطة، وتحصد أموالاً طائلة لا تبذل أدنى جهد فى الحصول عليها من دماء كل المواطنين. تفتح ملف رحلة السلعة الغذائية من المزرعة إلى المستهلك، لتقف على هذه المأساة التى تتكرر بدأب وإجحاف مع كل سلعة ينتجها الفلاح أو مربى الدواجن والماشية أو صياد الأسماك.. ولتكشف للجميع -وبالذات لصانع القرار- أن الغلاء الفاحش ليس مصدره ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وتكلفة العمالة والنقل فقط، ولكن مصدره الأهم هم فئة «السماسرة» الذين يشترون السلع من المنتجين بتكلفتها أحياناً وبأقل من تكلفتها أحياناً أخرى، ويطرحونها فى الأسواق بأسعار مضاعفة عدة مرات ليحققوا أرباحاً طائلة لا يدفعون عنها ضرائب، ولا يضاف منها شىء إلى الدخل القومى الإجمالى. والحل الذى تطرحه «الوطن» للخروج من هذه الدائرة الجهنمية لا يحتاج إلى خبراء ولا إلى تفكير عميق.. الحل شديد البساطة: أن تتدخل الحكومة لفرض السعر العادل لشراء السلعة من المزرعة حتى ترحم هذه الفئة المغلوبة على أمرها من الاستغلال، ثم تضع الحكومة هامشاً للربح لا يزيد على 30٪ لكى ترحم المستهلك من مزيد من توحش السماسرة والوسطاء.